الأحد، 17 مارس 2019





سلسلة مقالات .. روح الإسلام .. 
المقال الثاني : .. العبادات المعهودة و الخلافة في الأرض .. 

إن الإسلام ليس فقط مجرد شكليات وعبادات وأذكار فقط كما يفعل أغلب المسلمين - أو المفترض أن يكونوا مسلمين - ولكن الإسلام منظومة متكاملة تقوم بشكل تراتبي منظم يوزع المبادئ والأساسات والأولويات ويميز بين المقاصد وبين الوسائل و لا تشكل
العبادات المعروفة كالصلاة والصوم والزكاة إلا جزءا منها فقط ولا نستطيع الإكتفاء بها لنكون مسلمين ولكن عبر إكمال أجزاء المنظومة التي يتوزع عليها الإسلام نستطيع أن نكون مسلمين وذلك بداية بالمقاصد والأهداف ثم المبادئ والأساسات ثم الأدوات والوسائل وعند تحققنا بالإسلام كمنظومة متكاملة نستطيع أن نكون مسلمين بحق كما أرادنا الله عز وجل وليس كما نرى عموم المسلمين اليوم .
للأسف الشديد يعتقد الكثير من الناس أن الله أوجدنا في الأرض فقط لنصلي ونصوم وما إلى ذلك من العبادات المعروفة وهذا غير صحيح البتة وهذا سوء فهم خطير عن الإسلام ومن المفاهيم القاتلة التي تشربها أغلب المسلمون والتي كونت الحالة المزرية التي يعيشها المسلمون اليوم .
إن كل الكائنات مقرة بالعبودية لله وهي تسبح لله وتصلي ولكن نحن من لا ندرك ذلك قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) النور ) وقال تعالى ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) الإسراء )
لذا فنحن عندما نصلي ونسبح إنما نحن فقط نستوي مع الحجر والشجر والحيوانات فكلهم يصلي ويسبح كل بطريقته .
و بما أن كل المخلوقات تعبد الله وتصلي وتسبح له عز وجل ( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) بالإضافة الى أن الملائكة تصلي لله وتتعبد له بدون أن تعصيه فيجب أن نتساءل ما الذي لدى الإنسان ويجعله مختلفا عن الملائكة وعن هذه المخلوقات ؟ ما الذي يجعله يتميز عن سائر المخلوقات ؟
إذا كانت كل المخلوقات تصلي وتسبح فالإنسان ليس بينه وبين الحجر فرق اذا كان المعيار هو العبادة بشكلها المعهود ..
ونجد الجواب عن هذه التساؤلات في قوله تعالى " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً "
إنها الخلافة ..
وهنا يجب أن نبين أن الخلافة بالتأكيد ليست الصلاة والتسبيح والا كانت كل الأحجار في الأرض خلفاء فكلها تصلي وتسبح كل بطريقته ..
إن الله عز وجل عندما خلق ءادم لم يقل اني جاعل في الأرض متعبدا أو جاعل في الأرض مصليا أو مسبحا إنما قال خليفة أي أن مهمته الرئيسية هي الخلافة ولهذا قال الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)البقرة ) أي أن الصلاة هي عون لك لأداء مهمتك ألا وهي الخلافة في الأرض وليست الصلاة مقصدا بحد ذاتها فرأس العبادات لبني الإنسان في الأرض هي الخلافة ومالم تعنك باقي العبادات على أداء الخلافة فأنت كم يضع الماء في وعاء مثقوب .
إن أعظم مقاصد الإسلام هي خلافة الأرض قال تعالى (ِ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) فاطر)
وهنا في هذه الآية تكلم الله عز وجل عن الكفر بالخلافة أي جحود المهمة التي كلف الله الإنسان بها في الأرض والخلافة تعني الإنابة في أداء مهمة معينة أي إننا كخلفاء في الأرض فإن مهمتنا هي إدارتها والعناية بها وإعمارها وتنميتها ورعايتها ، وإنما أتت التشريعات لتعيينا على القيام بذلك ولتبين لنا الطريقة الأمثل ولتأطر لنا القالب الصحيح بدقة لأداء الخلافة .
نستنتج من كل ذلك أننا كخلفاء في الأرض فنحن المسؤولون عنها وعن كل ما فيها من مخلوقات ، وهذا يعني أننا يوم القيامة سنسأل - ليس فقط عن الصلاة والذكر والصوم - ولكن سنسأل عن هذه الأرض التي أستخلفنا فيها وهل قمنا بحق الخلافة فيها حقا وهل استعمرناها حق استعمارها وسنسأل عن البيئة ومن المسؤول عن تلويثها ومن المتسبب في ثقب طبقة الأوزون ومن الذي أهدر موارد البشر في الحروب ومما لا طائل منه و وكذلك سنسأل عن عقولنا و هل أعملناها في إصلاح حال الإنسان وتسخير ما سخر الله لنا من القوانين الفيزيائية والكيميائية وغيرها من القوانين الكونية وكذلك سنسأل عن موارد الأرض وهل استخدمنا الحجر لبناء مساجد تصدر الخير والرحمة ومعرفة الله وتصلح المجتمعات وتطفئ الفتن أم بنينا مساجداً ضراراً للصراعات الطائفية والمذهبية والرؤى الضيقة وهل بنينا مستشفيات تسكن فيها آلام المرضى لبني الإنسان وحتى الحيوان أم بنينا قصورا فارهة للملذات الشخصية ..
وكذلك سنسأل عن النفط والغاز والخشب والحديد والبلاستيك والجير و الليثيوم والكهرباء و الماء ..الخ الكثير الكثير وكل ما سخره الله لنا في الأرض ..
فهل كنا خلفاء حقيقين كما أرادنا الله ؟ هل قمنا بحق استخدام موارد الأرض في عمرانها و ازدهارها ؟ هل ناضل المسلمون لأجل إيقاف الحروب في العالم وتحويل ميزانيتها لبناء الأرض ورعاية الإنسان وتوعيته عوضا عن قتله ؟
للأسف فإن المسلمين اليوم أبعد ما يكونوا عن الخلافة وعن فحوى الإسلام وما لدينا اليوم كمسلمين هو فشل وكسل وتواكل وانعزال وتخاذل وطائفية وعنصرية وأنانية وكل هذا بإسم الإسلام والإسلام بريء من ذلك وحاشا لله أن يكون دينه مصدرا للفشل والكسل والخذلان والأنانية ..
والله ولي التوفيق ..


..أبوبكر حسن العيدروس..
17 / 3 / 2019 م
---------------------------------------------------------------------
للمزيد من الاطلاع والتعمق الاشتراك في مجموعتنا على واتساب "الوحدة الاسلامية"
https://chat.whatsapp.com/DlUjwMMY9ky9uRHA8RvfoB
أو متابعتنا على مدونتنا "أمة واحدة"
https://ommehw.blogspot.com/
أو الاشتراك في صفحتنا على فيسبوك "الوحدة الاسلامية - The Islamic unity"
https://www.facebook.com/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-The-Islamic-unity-355941505223866/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق